الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

جهة الصحراء الغربية، زوبعة التسمية ومنزلقات المشروع


عبد الله الفرياضي – elferyadi@gmail.com
الكاتب الوطني للمنظمة المغربية للصحراويين الوحدويين

عن موقع: هبة بريسwww.hibapress.com


كشف حزب الأصالة والمعاصرة خلال ندوة صحفية عقدها مؤخرا بالرباط، عن الخطوط العريضة لتصوره لنظام الجهوية الموسعة الذي دعا إليه جلالة الملك في وقت سابق.
بيد أن المثير للانتباه في هذا الصدد، وبهذه المناسبة، هو انصباب النقاش العمومي كليا حول التسمية التي اقترحها الحزب لجهة الصحراء على وجه الخصوص. مع ما رافق هذا النقاش من تجاهل كبير للجوهر الحقيقي لتصور الحزب المذكور لموضوع الجهوية من جهة، ومن جهة ثانية لبعض المقتضيات الخاصة التي تم إفرادها لجهة الصحراء دون غيرها من بقية الجهات.
وهي كلها أمور تستدعي في نظرنا، ضرورة الإسراع بإعادة توجيه بوصلة النقاش نحو بيت القصيد عوض هدر الوقت والكلام في سفاسف وقشور الأمور. هذا مع العلم أن تصور الحزب المعني للنظام الجهوي بجهة الصحراء ينطوي على مقتضيات ومعطيات ترتقي في نظرنا المتواضع إلى مرتبة الأخطاء والمنزلقات الواجب تداركها.
زوبعة التسمية:
علاوة على المقاربات الإعلامية المتعددة التي اقتصرت في معالجتها لمشروع حزب الأصالة والمعاصرة حول الجهوية على التسمية التي اقترحها الحزب لجهة الصحراء، أي تسمية الصحراء الغربية، فقد انضمت إلى هذا النوع من المقاربات بعض الهيئات الجمعوية، التي اعتبرت، كما هو الشأن بالنسبة لجمعية الصحراء المغربية، أن هذا التصرف من شأنه إضعاف الموقف المغربي على أساس أن الحديث بهذه اللغة هو " حديث بلغة أعداء وحدتنا الترابية وتسفيه لذاكرتنا ولتضحيات أبطالنا وللمسيرة الخضراء " حسب نص البيان الذي أصدرته ذات الجمعية.
غير أن إطلاق تسمية الصحراء الغربية ليس في نظرنا بالأمر الجديد على الساحة الوطنية كما يعتقد البعض، فمن ناحية أولى فالمنطقة المعنية هي فعلا صحراء غربية وفق المعطى الجغرافي في مقابل صحراء مغربية أخرى تدعى الصحراء الشرقية، ومن ثمة فليس في الأمر ما يدعو إلى كل هذا التوجس من التسمية.
أما من ناحية ثانية، فالدولة المغربية أصلا قد خطت خطوات كبيرة منذ وقت ليس بالهين من أجل إحداث نوع من التطبيع الإيجابي مع هذه التسمية، وهو ما يمكننا الوقوف عليه بشكل جلي في التسمية التي أطلقت على البوابات الإلكترونية السياسية والثقافية والتنموية.. التابعة لموقع المجلس الملكي للشؤون الصحراوية الكوركاس، وهي نفسها تسمية الصحراء الغربية. وهذا يعني ان الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك كانت عازمة منذ مدة على إحداث انعطافة كبيرة بشأن إدارة ملف الصحراء، وبالتالي فإن الزوبعة التي أثيرت حول التسمية لم يكن لها أن تؤدي أصلا إلى تناسي وتجاهل الخوض في بعض المنزلقات التي سقط فيها منظرو الأصالة والمعاصرة بخصوص قضية الصحراء، وهي المنزلقات التي سنحاول الوقوف عند بعضها في ما يلي.
منزلقات المشروع:
على الرغم من كون التصور الذي يحمله حزب الأصالة والمعاصرة حول الجهوية الموسعة، قد حاول من خلاله أن يكون تلميذا نجيبا لمضامين، بل وحتى للصيغ اللغوية، التي تضمنتها الخطب الملكية بشان الجهوية، وعلى الرغم أيضا من تضمن هذا التصور لجملة من المقاربات الإيجابية للجهوية في شقها المتعلق بجهة الصحراء، كإعادة النظر في مسألة الإعفاء الضريبي لهذه الجهة وكذا إعادة النظر في التقطيع الإداري المشلول بها، والقطع مع سياسة ما بات يعرف " بالإنعاش الوطني " واعتبار مرحلة الجهوية الموسعة مرحلة انتقالية نحو نظام الحكم الذاتي. على الرغم من ذلك كله، فإن التصور الذي يضمنه ذات الحزب لمشروعه الجهوي بجهة " الصحراء الغربية " يحمل في طياته مقترحات خطيرة، يمكن إجمالها في مقترح بتر جهة الصحراء والاستجابة لأجندات أجنبية والتمييز الجهوي.
أولا: التمييز الجهوي
أول منزلق يطالعنا به مشروع الأصالة والمعارة للجهوية الموسعة، حول تأسيسه لنوع من التمييز القبلي بين الجهات، حيث أكد منذ البداية على توخي الفصل بين تصوره العام للجهوية بالمغرب وتصور آخر خص به جهة الصحراء الغربية دون غيرها من الجهات الأخرى، وذلك بدعوته إلى " إفراد مقتضيات دستورية خاصة بجهة الصحراء، ضمن الهندسة الدستورية التي ستخصص لدسترة الجهوية، مع الإحالة على قانون تنظيمي خاص بالجهة يمكن أن يتم تطوير بنوده في حالة الاتفاق السياسي على مضمون المبادرة المغربية للحكم الذاتي " بدعوى خصوصية المجال والرهانات المرتبطة به.
وهذا التمييز في نظرنا تمييز غير مرغوب ولا يتماشى مع مرتكز التضامن الجهوي المنبني على مبدأ المساواة بين الجهات الذي تضمنه الخطاب الملكي بشأن تنصيب اللجنة المكلفة بالجهوية الموسعة، كما أنه لا يتماشى مع الرغبة الذاتية للمملكة المغربية، ملكا وشعبا، في دمقرطة البلاد ونظامها السياسي من غير الرضوخ لأية ضغوط أجنبية.
ثانيا: بتر الصحراء
المنزلق الثاني والأخطر الذي وقع فيه التصور المذكور في نظرنا أيضا، هو اقتراحه بتر جهة الصحراء وتقسيمها إلى قسمين، حيث تم اقتراح إطلاق جهة الصحراء الغربية على المجال الجغرافي للإقليمين اللذين تطالب بهما البوليساريو، أي الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهذا يعني أولا إقرارا ببعض ما كانت تدعو إليه الجبهة الانفصالية، وثانيا إقصاء لكل من أقاليم الطانطان وكليميم وآسا الزاك، بشكل يفضي في نهاية المطاف إلى نسف أحد المقومات الأساسية للجهة وهو المقوم الثقافي، وثانيا تأكيدا لادعاءات سابقة للبوليساريو بشأن الحدود الحقيقة لجهة الصحراء والقبائل المشكلة لها، بالرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة لتفنيد تلك الإدعاءات.
بتر الصحراء أيضا، يتجلى في اقتراح مشروع ذات الحزب إعادة النظر في القانون التنظيمي لوكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، بشكل يخدم حتما هذه المقاربة التقسيمية، مما يعني حرمان الأقاليم الثلاثة المقصية من خدمات الوكالة المذكورة.
ثالثا: إرضاء الخارج
إذا كان من غير المقبول التشكيك في النوايا والروح الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة بخصوص وضع تصوره للجهوية، فإنه من غير المقبول أيضا قبول بعض التبريرات التي ساقها لدعم مقترحاته، وهي تبريرات تنصب كلها في خانة إرضاء بعض الأطراف الخارجية. ففي نظرنا أن خطاب جلالة الملك بشأن الجهوية الموسعة كان واضحا حين أكد على ضرورة صياغة نموذج مغربي – مغربي للجهوية، أي الارتكاز على الإرادة الوطنية دون غيرها من المرتكزات الأخرى ولو كانت من قبيل الضغوطات التي تمارسها جبهة البوليساريو على بعض الأطراف الأجنبية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي.
وهو ما لم يوفق فيه مشروع الحزب المذكور، ونخشى بسبب ذلك أن تتم قراءته من طرف الأطراف الأخرى على أنه انتصار لها ورضوخ من المغرب لمطالبها واعتراف منه باتهاماتها وادعاءاتها، وهي الأمور التي يمكن استخلاصها من اعتبار الحزب دعوته إلى " تمكين جهة الصحراء من الاستفادة من جزء من ثرواتها " آلية من آليات " قطع الطريق أمام ترويج خطاب يلقى مع كامل الأسف صدى لدى بعض الأوساط الأجنبية " من خلال ما أسماه " تأزيم خطاب استغلال الثروات والضغط الذي تمارسه جبهة البوليساريو على الاتحاد الأوربي ".
إذ في نظرنا أن جهة الصحراء تستفيد دوما من ثرواتها ولم يسبق أن حدث العكس كما تدعيه البوليساريو، وبالتالي فلا داعي لمغازلة تلك الأطراف بهذا الشكل غير المقبول.
نفس الشيء يتكرر بخصوص الملف الحقوقي بالجهة، الذي اعتبرت الوثيقة الحزبية أنه بات لزاما تطوير آليات جديدة للممارسة الديمقراطية من أجل قطع الطريق على رغبة الأطراف الأخرى في توظيف هذا الملف للقيام بحملة تهدف المس بسمعة ومصداقية المكتسبات الحقوقية التي شهدتها بلادنا، و الأصح في نظرنا أن تطوير تلك الآليات يجب أن يكون نابعا من حاجة وطنية وداخلية ورغبة ذاتية لا تضع في الحسبان أية خلفيات أجنبية.
خلاصة القول أن مضامين مشروع الأصالة والمعاصرة بشأن الجهوية الموسعة وبالخصوص ما يتعلق منه بجهة الصحراء، يجب أن يخضع لمراجعة جذرية يتم بموجبها تدارك الأخطاء والمنزلقات المذكورة.